نفحات الرّحمة

الحمد لله سبحانه وتعالى الذي أكرمنا نحن- عباده الضعفاء العاجزين- بطمأنينة الإيمان وسعادته وسكينته

والصلاة والسلام على أشرف مخلوقاته الذي به ختمَ أنبياءه وأخرجَ المؤمنين من ظلام الجهل والكفر والخسران، ليشرِّفهم بنور العلم والإيمان والعرفان

أما بعد، فإننا لم نشرع لعرض مقتطفات من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العطِرة في حدود سطور هذا الكتاب إلا لنقدِّم للأفئدة التي تعاني من الضيق والتعب والعجز وقلة الحيلة، إشراقاتٍ من روحانيته عليه الصلاة والسلام في هذه الأيام التي صار أكثر الناس فيها ينقادون للأمور المادية ويحيون تحت نير الرغبات النفسانية. ولعلنا بذلك نحظى بنصيبٍ من فضائل هذا النبي الكريم الذي «يصليِّ ويسلِّم» عليه رب العالمين مع ملائكته أجمعين، والذي كان ينقاد إليه الشجر ويُسلِّم عليه الحجر

ومن أسرار «المحبة» التي هي علة وجود الكون أن يكون حال المُحِبِّ كحال المحبوب. وما ينتج عن المحبة يكون على حسب شأن المحبوب مهما كانت طاقة المُحبُّ وقدرته

إن البشرَ كلهم محتاجون لشفاعة حبيب الله عليه الصلاة والسلام. وإنه لمِنَ المحال أن يُدرِك الإنسان قَدْرَه عليه الصلاة والسلام إدراكًا كاملًا بهذه الكلمات التي يفهمها عقله. فعندما يكون الحديث عنه عليه الصلاة والسلام تجفُّ الأقلام وينفد المِداد وتتبعثر الحروف. وعندما تقف الألسنة- كل الألسنة- عاجزةً عجزًا مطلقًا عن تصوير سيرته الحسنة، فإن الكلمات وإن انعكست من أفئدتنا على ألسنتنا فإنها ليست إلا غيضًا من فيض. ومع ذلك كله، فإن كل شيء أو سلوك يذكِّر به، يبقى تجليًا وإلهامًا وبارقةً لا يماثل غيره. وما تجليات قدرة الله تعالى في هذا الكون البديع إلا لمعة وومضة من نوره عليه الصلاة والسلام

ولقد سعينا في هذا الكتاب الذي نضعه بين أيديكم إلى عرض لمحات من حياة سيدنا ومرشدنا وهادينا إلى النجاة محمد عليه الصلاة والسلام، وبعضٍ من معجزات القرآن الكريم التي ستنير القلوب حتى اليوم الموعود، وتُثبِت أنه الكتاب الحق من عند بارئ الخلق. والقرآن الكريم الذي ينير القلوب المؤمنة بالحكمة والحقائق ويحث على التفكر والتدبر إنما هو معجزة إلهية تُجبِر العلوم كلها بما تحويها من اكتشافات على تأييدها وتصديقها حتى قيام الساعة. وقد ذكرنا في هذا الكتاب بعضًا من الحِكم التي أشارت إليها الآيات الكريمة على ضوء الاكتشافات الأخيرة في عصرنا

وهنا لا بد من أن نتوجه بالشكر للأستاذ د. مراد كايا وطلابنا الذين كانوا عونًا وسندًا لنا في تأليف هذا الكتاب، وندعو الله سبحانه وتعالى أن تكون جهودهم الخالصة صدقة جارية في ميزان أعمالهم

قرَّاءنا الأعزَّاء

إن معجزاء الأنبياء السابقين والأصول التي جاؤوا بها لأممهم لم يبقَ منها إلا القليل في أيامنا هذه. أما معجزة القرآن فمعجزةٌ ستدوم حتى قيام الساعة لُطفًا استثنائيًّا لأمَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم الميمونة

ويُذكِّرنا هذا الكرم الإلهي بأهمية عبوديتنا لله تعالى وبعِظَم النعمة التي ننعم بها

وإننا ندعو الله تعالى- باحترامنا للقرآن الكريم وتقديسه- أن يجعل هذه الأمانة العظيمة ربيع قلوبنا التي هي منبع أحاسيسنا، وبلسمًا لأرواحنا، ووسيلةً للنجاة في الدنيا والآخرة

والبذرة- مهما كان نوعها- لا تنمو ولا تكبر إلا إن وُضِعَت في التربة الصالحة. وإن لم يكن أثرُ «نسائم الرحمة» التي هبَّت من قلوبنا بقدر إدراكنا لحقائق النبوة أثرًا قويًّا، فذلك لهفوةٍ أو عيب فينا. غير أننا ندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعل صفحات هذا الكتاب، الذي كتبناه ليكون وسيلةً لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، براعمَ هداية لقلوبنا ومنبعًا للفيوضات والروحانيات، وإن لم يخلُ من عيوب وأخطاء

وما أعظم سعادة المؤمنين! فأفئدتهم المليئة بالمحبة معلقةٌ بالله ورسوله، وتلكم المحبة عندهم أسمى من كل محبة دنيوية

فلنعزِّز من رابطتنا به عليه الصلاة والسلام ونرسخها بالصلاة والسلام عليه! فإننا محتاجون إلى توسله وشفاعته في يوم عصيب قمطرير

اللهم أكرمنا بروحانيات نبينا صلى الله عليه وسلم الهادي إلى الصراط المستقيم واجعلها كنسائم تحيي أفئدتنا! واجعل محبتك ومحبة نبيِّك في قلوبنا إلى أبد الآبدين! ولا تحرمنا من شفاعة رسولك العظمى يا أرحم الراحمين

آمين