خير أمة

يقول الله تعالى

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران: 110)

{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت: 33)

لقد فخرت هذه الأمة –وحُقَّ لها أن تفخر- بما شهد الله تعالى لها به، حيث يقول سبحانه

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران: 110]

فهذا الثناء الرباني على الأمة المحمدية ليس تشريفا فحسب، بل هو تكليف أيضًا، فمناط الخيرية في أمة الإسلام مرتبط بالإيمان بالله تعالى، والاستقامة على شرعه، وهداية الخلق إليه

{تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران:110]

 فمن حقق الشرط تحقق له المشروط وقامت به الصفة؛ كما قال عمر رضي الله عنه

(من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها) تفسير ابن جرير الطبري، 4 / 43

فالمسلم الحقيقي هو الذي يمثل الإسلامَ بشخصيته وسيرته، فهذا الدين العظيم يطلب من كل مؤمن به أن يكون ذا «شخصية» مميزة

وقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام قبل أن يُبلِّغ الإسلامَ ذا شخصية فاضلة يعرفها الناس كلهم

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صعد النبي عليه الصلاة والسلام على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي» - لبطون قريش - حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟» قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا

وبعد الإقرار على صدقه وأمانته، شرع في تبليغ أوامر الله ونواهيه. وعندما بلَّغ المسملون هذا الدين العظيم مقتدين برسولهم، نشأت حضارة عظيمة مليئة بالفضائل والقيم في عصر الرسول والخلفاء الراشدين، وفي خلافة عمر بن عبد العزيز، وفي القرون الثلاثة الأولى من حكم المسلمين الأندلسَ، وفي القرون الثلاثة الأولى من الخلافة العثمانية. وظهرت حضارة إنسانية فريدة ارتقت في الأخلاق، والعلم، والحياة الاجتماعية والاقتصادية، والعمارة، والأدب.ولنذكر هنا مثالَين لنتعرف إلى أصحاب تلك الحضارة العظيمة

سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه

لقد كان سيدنا عمر رضي الله عنه قبل أن ينال شرف الإيمان مثالًا للإنسان الجاهلي الذي لا يجد رحمة أو رقة في قلبه ولا يراعي حقوق أحد. غير أنه بعد إيمانه صار ذا قلب رقيق يتحلى بالإيثار والحكمة، ومَضْرَب مَثل في العدالة. فما عاد عمر رضي الله عنه ذلك الإنسان ذا الطبع الفظ الغليظ القلب، بل حلَّ مكانه عُمرُ الرؤوف الخاشع الحذر حتى من إيذاء نملة، والمفكر في سعادة الأمة، والشاعر بالمسؤولية العظيمة

فكان يحاسب نفسه دائمًا ويقول: «لو هلك حَمْلٌ من ولد الضأن ضياعًا بشاطئ الفرات خشيت أن يسألني الله عنه».  وكان يحمل جراب الطعام في الليل ويدور على بيوت الفقراء والمحتاجين، وكان دائمًا إلى جانب اليتامى والمساكين. وما كان يجد الراحة والسكينة في فؤاده قبل أن يواسي المنكسرة قلوبهم، ويمسح دموعهم، ويزرع الابتسامة في وجوههم

عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

حفيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وخامس الخلفاء الراشدين. تقول زوجته فاطمة مبينة حاله التي تعكس رقة قلبه

دخلتُ يومًا عليه وهو جالس في مصلاه واضعًا خده على يده ودموعه تسيل على خديه، فقلت: مَالَك؟ فقال: ويحك يا فاطمة، قد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت، فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، واليتيم المكسور، والأرملة الوحيدة، والمظلوم المقهور. والغريب والأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير، والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمت أن ربي عزّ وجل سيسألني عنهم يوم القيامة، وأن خصمي دونهم محمد عليه الصلاة والسلام ، فخشيت أن لا يثبت لي حجة عند خصومته، فرحمت نفسي فبكيت

لقد نشأت حضارة الإسلام العظيمة بمثل هؤلاء من ذوي القلوب المهتمة بأمر الأمة، والتي تركت راحتها في سبيل راحة عباد الله وسعادتهم. فلم يجد أغنياء تلك الحضارة فقراء يدفعون لهم زكاة أموالهم، ذلك أنهم كانوا خير أمة ولم يكن أحدهم يبيت وجاره جائع إلى جنبه

إننا من خير أمة توضِّح شخصية الإسلام في الإيثار والأخوة في الدين

يقول مولانا جلال الدين الرومي

«علَّمني شمس الدين أدبًا عظيمًا حين قال

(إذا كان في الدنيا مؤمن واحد يشعر بالبرد، فليس لك حق أن تتدفَّأ)

ولأنني أعلم أنه ثمة مؤمنون في الأرض يشعرون بالبرد، فلن أشعر بالدفء ما حييت

ويقول الشيخ أبو الحسن الخرقاني

       إن أي أخ لي في الدين من الشام إلى تركستان إذا ما دخلت شوكةٌ إصبعه، فكأنما دخلت إصبعي؛ وإذا أُصيبت قدمه بحجرة، فستؤلم قدمي؛ وإن كان هناك حزن في قلب ما، فذاك القلب قلبي

وهكذا هم الناس في خير الأمم

فكل حضارة فاضلة تربي إنسانًا فاضلًا يمثِّل صفاتها وشخصيتها

إن الحضارة الإسلامية وصلت إلى ما لم تصل إليه الحضارات الأخرى في تاريخ الإنسان. وعلة ذلك أنها كانت حضارة قائمة على دعم الفطرة البشرية السليمة بما وهبها الله من علم وعرفان وحِكم. وكانت نتيجة اندماج هذا الاستعداد الفطري وتلك الفيوضات الروحانية ظهورَ حضارة عظيمة، ألا وهي: الحضارة العثمانية

والحق أن العثمانيين برعوا في الجانب المادي وارتقوا في الجانب الروحاني، وما فتحوا البلاد إلا ليفتحوا القلوب ويُدخِلوا فيها أنوار الإيمان

وهذا ما عبَّر عنه مؤسس الدولة العثمانية عثمان الغازي في نصائحه لابنه أورخان الغازي ولكل من يأتي بعده من رجال الدولة، إذ قال

واعلم يا بني أن طريقنا الطريق إلى الله، ومقصدنا تبليغ دينه. وليست دعوتنا صراع وحروب لحُكم العالَم، بل لإعلاء كلمة الله

وأما أورخان غازي فقد فضَّل الفتح المعنوي على فتح البلاد، فقال: «المروءة أفضل من الغزوة». وكان يخلِّد الفتوحات بهداية الناس، فيُسكِن أولًا أهل الله والصالحين في البلاد التي يفتحها، فكان عيش هؤلاء وتبليغهم الدين بأحوالهم وسيلة هداية لأهل البلد كلهم

وكان من نصائح أورخان غازي لابنه مراد

لا يكفي سيادة العثمانيين على قارَّتين، فدعوة إعلاء كلمة الله دعوة عظيمة لا تسعها قارَّتين

فدخل السلطان مراد أوربا بعمله بهذه النصيحة، ووصل إلى كوسوفو

ودعونا نتساءل هنا: لمَ ترك مراد خان الأول جمالَ عاصمته بورصا وراحتها وذهب إلى كوسوفو؟ في سبيل أي غاية ضحَّى بنفسه؟

والجواب أنه أراد أن يكون من خير أمة تتبع نبيَّها، ومن المؤمنين الأخيار السعداء، ومن أمة تدعو للخير، وأن يسير على نهج المهاجرين والأنصار الذين جعلهم الله لنا جيلًا نقتدي بهم

يقول الله تعالى

{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]

في هذه الآية يحذِّر ربنا عزّ وجل عباده الذين ابتعدوا عن السعي لنيل رضاه بانخداعهم بزينة الحياة الدنيا وبهائها وراحتها

لذلك ترك الصحابة الكرام بساتين النخل في المدينة وتوجهوا إلى سمرقند، بل وصلوا حتى الصين، وتوجه المسلمون إلى إسبانيا في خلافة عمر بن عبد العزيز، وفتح عقبة بن نافع القيروان، وكان يدعو الله معبِّرًا عن إيمان عميق فيقول: يا رب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهدًا في سبيلك

إن كل ما فعله هؤلاء السلف العظام إنما ينطلق من خوفهم وخشيتهم من قوله تعالى

{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

وقد ترك السلطان العثماني مراد راحة الدنيا مقتديًا بهؤلاء وسعى في سبيل الله تعالى، واستوطن من سار على دربه في البلاد التي فتحها. فدخل البوشناق في بوسنة الإسلامَ فكانوا يتحلون بالصدق والولاء وعلو الهمم، وصارت ألبانيا جزءًا لا يتجزأ من خير الأمم

وكان همُّ العثمانيين إعلاء كلمة الله عزّ وجل ، وتعريف الناس بالطمأنينة والراحة في الإسلام، والدعوة للخير والحق، والسعي لنجاة الناس في دار القرار

وقد توجه السلطان محمد الفاتح بحملة إلى طرابزون لطرد البيزنطيين منها، وأراد أن يدخل القلعة من قسمها الخلفي، فسلك طريقًا بين الجبال والغابات، وكان حاملو الفؤوس يفتحون الطريق قبل الجيش. وفي حواف إحدى الأودية تعثرت فرس السلطان الفاتح، فنزف الدم من يده وهو يسعى للتمسك بصخرة. وكانت معه في تلك الحملة السيدة سارة أم السلطان أوظون حسن، فقالت له منتهزة الفرصة

أيها السلطان أنت سلطان ابن سلطان، وحاكم كبير، أتستحق هذه القلعة الصغيرة منك كل هذه المشقَّة؟

ذلك أن أوظون حسن كانت له علاقة قرابة مع أمير طرابزون البيزنطي، فأرسل أمه مع السلطان فاتح كي ترجو رجوعه عن هذه الحملة. فقال الفاتح

أيتها السيدة العجوز، لا تظني أن المتاعب التي نتحملها إنما هي في سبيل قطعة أرض، بل اعلمي أن كل سعينا لخدمة دين الله، وتبليغ هذا الدين للناس، ولكي لا نقف أمام الله تعالى ووجوهنا مسودة. وإن اخترنا راحة البدن على التعب في سبيل الله مع قدرتنا على تبليغ دينه وإعلاء كلمته، فهل نستحق أن نسمى غزاةً؟ إن لم نبلغ الإسلام لأهل الكفر ولم نكفهم عن طغيانهم فبأي وجه نلقى الله يوم القيامة؟

فالمسلم في هذه الأمة يكون إسلامه ناقصًا إن كان قائمًا على المنفعة لا المشاركة الاجتماعية، فلا بد أن يتسع صدر المسلمين للعالَم كله، وعلى كل مسلم أن يرى نفسه مسؤولًا عن ما يحدث حوله

إن هؤلاء السلاطين شخصيات ربَّتهم خير الأمم، فعبروا عن شخصية الإسلام في كل مجالات الحياة

إننا من خير أمة تعرض شخصية الإسلام في العمارة

عندما ننظر إلى مسجد السليمانية في إسطنبول نجد وكأنه صورة إنسان يدعو الله فاتحًا يديه إلى السماء. وليس ذلك إلا لانعكاس ما بداخل القلوب الطاهرة التي بنت هذا المسجد على حجارته وجدرانه ومناراته وقبابه

إن هذا المسجد تحفة فنية لحضارتنا التي مزجت بين المادة والروح

وأبناء تلك الأمة لم يكونوا ليبنوا بيوتهم إن كانت ستحجب ضوء الشمس عن جيرانهم. وأما الأبنية في هذه الأيام وناطحات السحاب فهي كشواهد القبور لتلك المدن التي لا روح فيها

إن كل جزء من الحضارة مثل كل حجرة وكل خط وكل عنصر يساهم في كمال التحفة المعمارية، ولأن «الإنسان» مركزُ حضارتنا، فإن العظمة والرفعة في هذه الحضارة أصلها إنما هو ذلك الإنسان الذي يمثلها

إننا من خير أمة تعرض شخصية الإسلام في الإنسانية

في الماضي كانت العادة إن مرض أحد في البيت أن يضعوا أصيصًا أحمر اللون في الشرفة، فإن رآه الباعةُ المتجولون مروا بهدوء، وإن رآه أطفال الحي لعبوا في حي آخر كي لا يزعجوا المريض

لقد كانت تلك التربية نتاج نظام تربوي فريد، فأي مربٍّ أو أي عالم نفس أو أي دارس للمجتمعات يمكن له أن يقدم مثل هذه التربية هذه الأيام؟

إننا لا نجد مثل تلك الترببية اليوم، بل نجد أن حق المجتمع كله يُنتَهك في حفلات الزفاف والأفراح حين يُطلِق الناس الألعاب النارية من أجل المتعة، دون أن يفكروا إن كان في جوارهم رضيع أو حامل أو مريض أو محزون لفقد قريب

مع أن أجدادنا- خير الأمم- كانوا أناسًا أصحاب قلوب رقيقة لا يؤذون حتى أضعف مخلوقات الله سبحانه وتعالى

فقد كان في أمتنا أتباع عزيز محمود هدائي ذوو القلوب الصافية الذين لم يكونوا ليقطفوا وردة خشية أن يمنعهم ذلك عن الذكر

وكان في أمتنا أتباع يونس أمْرَه الذين لم يكونوا ليؤذوا حتى النملة وكان شعارهم: «نحب المخلوقات من أجل الخالق». وكان في أمتنا أتباع المعماري سنان، والخطاط قره حصاري، والشاعر فضولي. وكان في أمتنا شخصيات قدوة تعكس للعالم جمال قلب المؤمن وظرافته وعظمته

إن هذه الأمة أتباعُ مولانا جلال الدين الرومي، ويونس أمْرَه، والجيلاني، وشاه نقشبند، وعزيز محمود هُدائي، والسلطان فاتح، والشيخ آق شمس الدين، والسلطان ياوز سليم

وحضاراتنا حضارة فضائل، فالواجب علينا اليوم أن نسير على دربها

يقول الشاعر التركي عارف نهاد آسيا

فليفض الإيمان من القلوب مرة أخرى

وليؤلِّف عطري ألحانه

وليقرأ شلبي آيات الله

ولينسخ كايشزاده عثمان نسخ القرآن

وليكتب غالب أشعار النعت

وليكتب سليمان أشعار المولد

وليرجع سنان مع الأعمدة والقناطر والقباب

ونحن إن نظرنا في التاريخ سنجد أن الطمأنينة والسعادة والراحة تبقى في المجتمع ما عاشت خير الأمم

وأما شعار النظام الليبرالي: «دعه يعمل، دعه يمر» فلم يكن إلا سببًا لإطلاق العنان للرغبات النفسانية، وإفساد القلوب والأذهان بزرع مفهوم الحياة دون التفكير في الآخرة

واليوم نعيش في عصر بلغت فيه قدراتنا المادية أوجها، غير أن الأرواح ما زالت مريضة، والقلوب عطشى، والإنسانية كلها في دوامة لا مفر منها نتيجة الجوع المعنوي

لكن إن نظرنا إلى عصر الرسول وخلفائه الراشدين فلن نجد أحدهم يعاني من نقص في الروحانيات مع قلة قدراتهم المادية

فأولئك وصلوا إلى المعنى الحقيقي للطمأنينة والسعادة، وأدركوا أن لا عيش إلا عيش الآخرة

فمن الضروري اليوم أن نسعى لنكون «خير أمة» كما كان السلف الصالح

يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام

مَثَل أمتي مثل المطر لا يُدرَى أوله خير أم آخره [الترمذي، الأمثال، 6]

فاللهم أكرِمنا بأن نكون قطرة خير في هذا الغيث المبارك

يقول الله عزّ وجل في الآية الكريمة

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]

فيجب علينا- أمة محمد - أن نكون دائمًا أعزة على غير المسلمين وأعداء الدين، ونتحلى بالوقار ونعرض شخصية الإسلام والمسلم الحقيقي

والله سبحانه تعالى يأمرنا حتى في العبادة أن نكون أصحاب شخصية، فنحن حين نقرأ الفاتحة في كل صلاة نتلوا قوله تعالى

{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6-7]

فتؤكد هاتين الآيتين الكريمتين على الشخصية التي يجب أن تكون لدى المسلم، وضرورة أن يحيا كل مسلم متحليًا بهذه الشخصية في أمور حياته

ولقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يصون عزة الإسلام ووقاره، فقد أمر بصيام يوم مع يوم العاشر من محرم كي لا نتشبه ببني إسرائيل. ولا يخفى على أحد اليوم المفاسد التي لحقت بقيمنا المعنوية وشخصيتنا نتيجة ثقافة العولمة وعقلية الرأسمالية والمادية والليبرالية

فما يبثه التلفاز من مشاهد تحرك شهوات النفس، والعناوين المريبة في الإنترنت، والإعلانات الخداعة، والهوس بكل جديد، يجعل من أجيالنا كالرجال الآليين تحركهم أصابع الثقافة المادية، فيغدو أحدنا ظاهرًا لا روح فيه، وتُفرَض علينا قيم خبيثة لا علاقة لنا بها، ونرتبط بعالَم ليس عالَمنا. ويمسي مجتمعنا مجتمعًا أنانيًّا قائمًا على المنفعة، ويفتر الإيمان، وتضيع الأخلاق والفضائل، وتنعدم الرحمة والرأفة والإنسانية، ويصبح الرجل منا جاهلًا فظًا لا مشاعر فيه. وتصبح الطرق الموصلة إلى السعادة والطمأنينة في المجتمع عسيرة مليئة بأشواك الماديات. إن المجتمع اليوم- مع الأسف- في أسوء حال، فلا بد أن ترتقي قلوبنا ونتمسك بقيمنا المعنوية أكثر كي نتخلص من هذا الفساد الذي حلَّ في كل مكان، ونقف قبل أن نسقط في الهاوية، ونمثِّل المسلم الحقيقي بالمحافظة على شخصية الإسلام دائمًا

اللهم أكرمنا بأن تجعلنا من «خير أمة» تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر